كشفت نتائج دراسة ميدانية بمنطقة الأطلس المتوسط، سوس والرباط، خلال شهري يناير وفبراير 2008، تهم عاملات الجنس والأمراض المنقولة جنسيا والسيدا أن المغرب ملزم بإعادة النظر في استراتيجية التواصل والتحسيس التي مافتئ يقوم بها لما يقرب 20 سنة لمحاربة الأمراض المنقولة جنسيا ومرض المناعة المكتسبة.

وأكدت الدكتورة نادية بزاد رئيسة منتدبة للمنظمة الافريقية لمكافحة السيدا، في نفس السياق أن نتائج هذه الدراسة، تبين بالملموس أن كل الوسائل المستعملة في عملية التحسيس والتواصل، لم تعط أكلها في توعية المواطن المغربي للوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا والسيدا، وذلك خلال الندوة الصحفية التي نظمتها هذه المنظمة بفندق أومليل بالرباط، مضيفة في هذا الصدد أن عملية التحسيس والتواصل في هذا المجال يجب أن تكون عملية مستمرة وتتجاوز الحملات المناسباتية.

تقول ذ. نادية بزاد «كلما آثرنا الصمت على هذا الموضوع، إلا وزادت نسبة المرض، وكلما تحدثنا عنه إلا وزادت نسبة الوعي به والوقاية منه» ، لذلك ترى ذ نادية بزاد أن الجميع مطالب بتحمل مسؤولياته، انطلاقا من المدرسة والأسرة والمجتمع المدني والدولة لكي نتمكن من اقرار التوعية والتحسيس في هذا المجال بشكل ايجابي وفعال، وبالكشف عن خطورة هذه الأمراض المنقولة جنسيا.

وأوضح عزوز التونسي أحد أعضاء فريق البحث الذي قدم نتائج الدراسة التي اعتمدت على عينة تتكون من 500 عاملة جنس موزعة على أقاليم أزرو، خنيفرة ، بني ملال، مكناس، فاس، أكادير والرباط، وذلك بواسطة استمارة تضمنت 63 سؤالا موزعة على 11 محورا، أن ظاهرة احتراف الجنس بالمغرب، بفعل عدة عوامل، تعرف تصاعدا مستمرا، تستحق الوقوف عندها، بالرغم من أن هناك نقصا كبيرا في الدراسات في هذا المجال، وما يزيد من صعوبة الأمر سرية الممارسة في أغلب الأحوال التي ترتبط بعدم قانونيتها من جهة وبصورة المرأة الممتهنة للجنس في المجتمع.

وسجلت هذه الدراسة أن ظاهرة احتراف الجنس بالمغرب تعرف مفارقات اجتماعية وسيكولوجية تستحق البحث والدراسة، بحيث نجد أن الظاهرة محظورة ويعاقب على ممارستها القانون، لكنها من جهة أخرى تمارس في كثير من الأحيان أمام أعين الجميع، ويتم التغاضي عنها بل والتعايش معها أحيانا أخرى، كما أبرزت الدراسة أن أغلب ممتهنات الجنس ينفين انتماءهن للمهنة خاصة المومسات أو اللواتي يمارسن مهنة أخرى إضافية، ولو كانت مهنة هامشية أو مؤقتة، الشيء الذي يطرح خطورة في مجال التحسيس والتوعية وأنشطة الدفع إلى تغيير السلوكات ذات المخاطر.

وأظهرت هذه الدراسة السيكولوجية والسوسيولوجية للظاهرة أن أغلب المتعاطيات لمهنة الجنس تعرضن في طفولتهن لأشكال صادمة من التحرش الجنسي أو الاغتصاب من طرف أحد أفراد الأسرة أو الأقرباء أو كن عرضة للفقر الاقتصادي أو الوجداني بسبب ضعف الإحساس بالأمن والشعور بالحب الأسري وفقر العلاقات الإنسانية.

ويؤكد عزوز التوسي على أن عاملات الجنس لا يشكلن فئة متجانسة، حيث نجد فئات، وتنوعا في محترفات الجنس، فهناك المشتغلات بالمنازل المغلقة كما هو الحال في العديد من مدن الأطلس، وهناك فئة ثانية تمارس المهنة لكن تواجدها يكون في الشارع والمقاهي وعلب الليل وبالحدائق العمومية وهذه الفئة أقل وضوحا وأكثر تنقلا، فنجد من بينهن العاملات والطالبات والحلاقات وعاملات النسيج والصناعات التحويلية، بل الموظفات أحيانا بعد انتهاء عملهن، والفئة الثالثة تتشكل من ممارسات للمهنة غير منتظمات يكون هدفهن هو ملء خصاصهن المادي والحصول على ما يوفر تحقيق بعض الحاجيات الطارئة، أما الفئة الرابعة فتتعلق بنوع راق يرتاد الفنادق الفخمة والحانات والكباريهات وعلب الليل الفاخرة، أو يحصلن على زبناء من الأثرياء وذوي النفوذ عن طريق السماسرة أو الانترنيت.

وتبرز مؤشرات الوضعية الوبائية بالمغرب، يقول يوسف التونسي، تصاعد الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا، فحسب المعطيات هناك احتمال وقوع ما يقارب 600.000 حالة إصابة بأمراض من هذا النوع سنويا، وهو رقم خطير في نفس الوقت بحكم صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية، وبفعل التكتم الذي غالبا ما يطال هذه الأمراض التي تقترن بالعهارة والخيانة الزوجية والتي تلفها طابوهات الجنس، كما تعرف الإصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة، تصاعدا مقلقا رغم الجهود المبذولة في هذا الإطار، وذلك أن عدد الحالات المشخصة المتراكمة منذ 1986 إلى حدود نهاية 2007، 2548 شخصا، لكن المراقبة الدورية تؤشر على احتمال وجود ما بين 16.000 و 20.000 إصابة.

وأفادت هذه الدراسة أيضا أنه يوجد من بين ممتهنات الجنس طفلات لا يتجاوز عمرهن 15 سنة، كما أن 81 حالة كان عمرها مابين 16 و 20 سنة، مما يمثل أكثر من 16 % من عدد الإجابات، وتكشف هذه المعطيات عن واقع طفولة كانت ضحية ظروف عائلية أو نتيجة ضغوط نفسية أو استغلالات جنسية أو زواج مبكر غير ناجح. وتأتي الفئة العمرية المتراوحة مابين 21 و 25 و من 26 إلى 30 سنة في المرتبة الأولى بنسبة 47.1 % لأنها مرحلة الشباب التي تتميز بامتلاك الفتاة الجاذبية الجسدية وفي نفس الوقت بالاستقلالية عن الأسرة. وفي المقابل يلاحظ ضعف الفئة العمرية التي لها سن ما بين 36 و 45 سنة بفعل تقدم السن وفقدان الإثارة خاصة مع ما يترتب عن تعاطي الكحول والمخدرات والسهر من آثار على الصحة.

وما يثير الانتباه في هذه الدراسة هو أن نسبة 21 % ممن تم استجوابهن بلغن التعليم العالي، وتتواجد هذه النسبة بشكل أكبر في الرباط وسلا، وتنقص بشكل أقل في مكناس 1.6% وخنيفرة 1.4% .

وأظهرت الدراسة نفسها أن نصف المستجوبات أكدن أن امتهانهن للجنس دائم 49.9 % بينما اعتبرت نسبة 34.2% أنه مناسباتي و 14.9 % بأنه موسمي، وعن عدد الزبناء الذين مارسن معهم خلال الأسبوع الأخير، أجابت 483 مستجوبة محددة في ما بين 0 و 50 زبونا، أما مسألة التعود على استعمال العازل الطبي، فقد شكلت نسبة 43.5 من مجموع عينة البحث، غير المتعودات على استعماله، ويلاحظ أن هذه النسبة مرتفعة بالمقارنة مع ما توصلت إليه دراسة بفرنسا في سنة 1992 ، ما يجعلنا نقر أن تزايد أعداد ضحايا الأمراض المنقولة جنسيا سنويا يرجع بالأساس إلى عدم استعمال العازل الطبي.